فصل: (فَصْلٌ: فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا )

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا ‏]‏

المتن‏:‏

قَالَ آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، وَفِي قَوْلٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ‏:‏ إذَا ‏(‏قَالَ‏)‏ وَاحِدٌ ‏(‏آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ‏)‏ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرَ كَذَا ‏(‏بِعَشْرَةٍ فَقَالَ‏)‏ الْآخَرُ ‏(‏بَلْ‏)‏ آجَرْتنِي ‏(‏جَمِيعَ الدَّارِ‏)‏ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ ‏(‏بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا‏)‏ بِمَا قَالَاهُ ‏(‏بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ وَأُطْلِقَتَا أَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ ‏(‏تَعَارَضَتَا‏)‏ لِتَكَاذُبِهِمَا فَيَسْقُطَانِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِعْمَالِ يُقْرَعُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا تَأْتِي الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ هُنَا فِي الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَسَّمَ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا الْوَقْفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِمَنْصُوصٍ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ مُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ ‏(‏تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ‏)‏ لِاشْتِمَالِ بَيِّنَتِهِ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ اكْتِرَاءُ غَيْرِ الْبَيْتِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُرَجَّحَةَ هِيَ الْمُشْعِرَةُ بِمَزِيدِ عِلْمٍ وَوُضُوحِ حَالِ أَحَدِ جَانِبَيْ مَا فِيهِ التَّنَافِي كَإِسْنَادٍ إلَى سَبَبٍ وَانْتِقَالٍ عَنْ اسْتِصْحَابٍ، وَأَصْلُ الزِّيَادَةِ هُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَجَّرَ كَذَا سَنَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالْأُخْرَى مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، قُدِّمَ الْأَسْبَقُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّهُ إنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الدَّارِ صَحَّ وَلَغَا الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْبَيْتِ بَعْدُ، وَإِنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الْبَيْتِ صَحَّ، وَالْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الدَّارِ بَعْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْبَيْتِ، وَفِي بَاقِي الدَّارِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهُ ثَمَنَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏ادَّعَيَا‏)‏ أَيْ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ ‏(‏شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ‏)‏ أَنْكَرَهُمَا ‏(‏وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ الثَّالِثِ ‏(‏وَوَزَنَ‏)‏ بِفَتْحِ الزَّايِ ‏(‏لَهُ ثَمَنَهُ‏)‏ وَطَالَبَ بِتَسْلِيمِ مَا اشْتَرَاهُ ذَا الْيَدِ ‏(‏فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ‏)‏ كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي رَجَبٍ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي شَعْبَانَ ‏(‏حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ‏)‏ تَارِيخًا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ حَالَ السَّبْقِ وَيُطَالِبُهُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

وَزَنَ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا ‏(‏تَعَارَضَتَا‏)‏ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَتَسَاقَطَانِ وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا تَعَارُضَ فِي الثَّمَنَيْنِ فَيَلْزَمَانِهِ، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ فُرِضَ التَّعَرُّضُ لَهُ فَلَا رُجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ عُهْدَةُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَمَنْ شَهِدَ لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي الْآنَ أَوْ بِنَقْدِ الثَّمَنِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ شَهَادَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى سَابِقَةً؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَتْنِ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ سُقُوطُ الْبَيِّنَتَيْنِ يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُصَدَّقِ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَأَقَامَاهُمَا، فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ كُلٌّ مِنْهُمَا‏:‏‏)‏ أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِثَالِثٍ ‏(‏بِعْتُكَهُ‏)‏ أَيْ الثَّوْبَ مَثَلًا ‏(‏بِكَذَا‏)‏ وَهُوَ مِلْكِي ‏(‏وَأَقَامَاهُمَا‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ كَأَنْ ‏(‏اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا‏)‏ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مِلْكًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِهَذَا وَحْدَهُ وَلِذَاكَ وَحْدَهُ وَسَقَطَتَا عَلَى الْأَصَحِّ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَ‏)‏ تَارِيخُهُمَا وَمَضَى مِنْ الزَّمَنِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي ‏(‏لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ‏)‏ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي التَّارِيخِ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ فِي التَّارِيخِ الثَّانِي‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ لِلتَّعَارُضِ ‏(‏وَكَذَا إنْ أُطْلِقَتَا، أَوْ‏)‏ أُطْلِقَتْ ‏(‏إحْدَاهُمَا‏)‏ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُ أَيْضًا الثَّمَنَانِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا فِي زَمَانَيْنِ‏.‏ وَالثَّانِي يَقُولُ بِتَعَارُضِهِمَا كَمُتَّحِدَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا‏:‏ مَاتَ عَلَى دِينِي، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ قُدِّمَ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ قَيَّدَتْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى تَعَارَضَتَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ تَعَارَضَتَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏مَاتَ‏)‏ رَجُلٌ ‏(‏عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَاتَ عَلَى دِينِي‏)‏ فَأَرِثُهُ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ وَالْمُسْلِمُ يَدَّعِي انْتِقَالَهُ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ‏(‏فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ‏)‏ بِمَا قَالَاهُ فَلَا تَعَارُضَ، وَ ‏(‏قُدِّمَ الْمُسْلِمُ‏)‏ أَيْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ انْتِقَالُهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَالْأُخْرَى اسْتَصْحَبَتْ الْأَصْلَ، وَالنَّاقِلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَصْحِبَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ، كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ ‏(‏وَإِنْ قَيَّدَتْ‏)‏ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ‏(‏أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى‏)‏ وَهِيَ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنْ قَيَّدَتْ بِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ النَّصْرَانِيَّةُ ‏(‏تَعَارَضَتَا‏)‏ لِتَنَاقُضِهِمَا، إذْ يَسْتَحِيلُ مَوْتُهُ عَلَيْهِمَا فَتَسْقُطَانِ وَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِ الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ، وَيُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّنَصُّرُ كَثَالِثِ ثَلَاثَةٍ، وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ بَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ إيرَادِ الْبَنْدَنِيجِيِّ الْمَنْعَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطَ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَاضِي فِيمَا يُسْلِمُ بِهِ الْكَافِرُ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ ‏(‏لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ‏)‏‏.‏ أَيْ الْمَيِّتِ ‏(‏وَأَقَامَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ‏)‏ ‏(‏تَعَارَضَتَا‏)‏ فَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ، وَسَوَاءٌ أَطْلَقَتَا أَمْ قَيَّدَتَا بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ أَمْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَيُنْظَرُ، إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ إرْثًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا التَّعَارُضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِرْثِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُصَلِّي‏:‏ أُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ الْمُسْلِمُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ‏:‏ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ‏)‏ أَنَا ‏(‏أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ‏)‏ مُشْتَرَكٌ ‏(‏بَيْنَنَا، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ‏:‏ بَلْ‏)‏ أَسْلَمْت ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ فَلَا مِيرَاثَ لَك بَلْ هُوَ لِي ‏(‏صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى دِينِهِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ الْأَبِ أَمْ أَطْلَقَا ‏(‏وَإِنْ أَقَامَاهُمَا‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَاهُ ‏(‏قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ‏)‏ أَيْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ مُسْتَصْحِبَةٌ لِدِينِهِ، فَمَعَ الْأُولَى زِيَادَةُ عِلْمٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ مَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْمَعُ تَنَصُّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَيَتَعَارَضَانِ، وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْهُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّهَا لَمْ تُسْتَصْحَبْ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّا لَوْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ النَّصْرَانِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا حَالَةَ مَوْتِ أَبِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرِّدَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيِّنَتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ‏)‏ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا ‏(‏وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ‏)‏ بَلْ مَاتَ ‏(‏فِي شَوَّالٍ‏)‏ فَالْمِيرَاثُ لِي وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ‏(‏وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ‏)‏ الَّتِي أَقَامَهَا ‏(‏عَلَى بَيِّنَتِهِ‏)‏ أَيْ النَّصْرَانِيِّ الَّتِي أَقَامَهَا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ نَاقِلَةٌ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ فِي شَعْبَانَ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ لِلْحَيَاةِ إلَى شَوَّالٍ، نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنَّهَا عَايَنَتْهُ حَيًّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَارَضَتَا، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ كُلٌّ مَاتَ عَلَى دِينِنَا صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ، وَفِي قَوْلٍ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏مَاتَ‏)‏ رَجُلٌ ‏(‏عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ‏)‏ وَمِثْلُهُمَا الِابْنُ الْوَاحِدُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ ‏(‏فَقَالَ كُلٌّ‏)‏ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ‏(‏مَاتَ عَلَى دِينِنَا‏)‏ ‏(‏صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ فِي الِابْتِدَاءِ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ فَيُسْتَصْحَبُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا، بَلْ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ ‏(‏يُوقَفُ‏)‏ الْأَمْرُ ‏(‏حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا‏)‏ عَلَى شَيْءٍ لِتَسَاوِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْأَبَوَانِ مُسْلِمَيْنِ وَالِابْنَانِ كَافِرَيْنِ، وَقَالَ كُلَّ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ عُرِفَ لِلْأَبَوَيْنِ كُفْرٌ سَابِقٌ وَقَالَا‏:‏ أَسْلَمْنَا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ بَلَغَ بَعْدَ إسْلَامِنَا‏.‏ وَقَالَ الِابْنَانِ‏:‏ لَا وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الِابْنَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا كُفْرٌ سَابِقٌ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الْأَبَوَانِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْأُولَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا فِي الثَّالِثَةِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ مَاتَ لِرَجُلٍ ابْنٌ وَزَوْجَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَأَخُو الزَّوْجَةِ فَقَالَ هُوَ‏:‏ مَاتَتْ قَبْلَ الِابْنِ فَوَرِثْتهَا أَنَا وَابْنِي ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثْتُهُ وَقَالَ أَخُوهَا‏:‏ بَلْ مَاتَتْ بَعْدُ فَوَرِثَتْ الِابْنَ قَبْلَ مَوْتِهَا ثُمَّ وَرِثْتهمَا أَنَا وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْأَخُ فِي مَالِ أُخْتِهِ وَالزَّوْجُ فِي مَالِ ابْنِهِ بِيَمِينِهَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا لَمْ يَرِثْ مَيِّتٌ مِنْ مَيِّتٍ، فَمَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَمَالُ الزَّوْجَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَخِ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ تَعَارَضَتَا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي مَوْتِ الْآخَرِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ صَدَقَ مَنْ ادَّعَاهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ‏.‏ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَ بَيِّنَةُ مَنْ ادَّعَاهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ‏.‏ وَلَوْ قَالَ وَرَثَةُ مَيِّتٍ لِزَوْجَتِهِ كُنْتِ أَمَةً ثُمَّ عَتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كُنْتِ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ هِيَ‏:‏ بَلْ عَتَقْتِ أَوْ أَسْلَمْت قَبْلُ، صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ، وَإِنْ قَالَتْ‏:‏ لَمْ أَزَلْ حُرَّةً أَوْ مُسْلِمَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا، وَأُخْرَى غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، وَإِنْ اتَّحَدَ أُقْرِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا قِيلَ يُقْرَعُ، وَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏شَهِدَتْ‏)‏ بَيِّنَةٌ عَلَى شَخْصٍ ‏(‏أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ‏)‏ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ‏(‏سَالِمًا، وَ‏)‏ بَيِّنَةٌ ‏(‏أُخْرَى‏)‏ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَذْكُورِ ‏(‏غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏ثُلُثُ مَالِهِ‏)‏ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ اخْتَلَفَ‏)‏ لِلْبَيِّنَتَيْنِ ‏(‏تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ‏)‏ مِنْهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُنْجَزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ، وَلِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ ‏(‏وَإِنْ اتَّحَدَ‏)‏ تَارِيخُهُمَا ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَزِيَّةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سُدُسَ الْمَالِ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ عَتَقَ هُوَ وَنِصْفُ الْآخَرِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ عَتَقَ وَحْدَهُ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَتَا‏)‏ أَوْ إحْدَاهُمَا ‏(‏قِيلَ‏:‏ يُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مِنْ طَرِيقٍ ‏(‏يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَالْقُرْعَةُ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّا لَوْ أَقْرَعْنَا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ يَخْرُجَ الرِّقُّ عَلَى السَّابِقِ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ إرْقَاقُ حُرٍّ وَتَحْرِيرُ رَقِيقٍ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ قُلْتُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَكَانَ أَخْصَرَ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ بِتَعْلِيقِ عِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أُقْرِعَ سَوَاءٌ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَمْ أُرِّخَتَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ، وَوَارِثَانِ حَائِزَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ ثَبَتَ لِغَانِمٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فَيَعْتِقُ سَالِمٌ، وَمِنْ غَانِمٍ ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُهُ‏)‏ أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ ‏(‏وَ‏)‏ شَهِدَ ‏(‏وَارِثَانِ‏)‏ عَدْلَانِ ‏(‏حَائِزَانِ‏)‏ لِلتَّرِكَةِ ‏(‏أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُهُ‏)‏ ‏(‏ثَبَتَ‏)‏ بِشَهَادَتِهِمَا الرُّجُوعُ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ ‏(‏لِغَانِمٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِسَالِمٍ بَدَلًا يُسَاوِيهِ فَلَا تُهْمَةَ وَلَا نَظَرَ إلَى تَبْدِيلِ الْوَلَاءِ وَكَوْنِ الثَّانِي أَهْدَى لِجَمْعِ الْمَالِ فَيُورَثُ عَنْهُ لِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَخَرَجَ بِثُلُثِهِ مَا لَوْ كَانَ غَانِمٌ دُونَهُ كَالسُّدُسِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ بَدَلًا، وَهُوَ نِصْفُ سَالِمٍ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ صِحَّةِ التَّبْعِيضِ يَعْتِقُ نِصْفُ سَالِمٍ مَعَ كُلِّ غَانِمٍ، وَالْمَجْمُوعُ قَدْرُ الثُّلُثِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏كَانَ الْوَارِثَانِ‏)‏ الْحَائِزَانِ ‏(‏فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ‏)‏ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِسَالِمٍ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ ‏(‏فَيَعْتِقُ سَالِمٌ‏)‏ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُعْتَقُ ‏(‏مِنْ غَانِمٍ‏)‏ قَدْرُ مَا يَحْتَمِلُهُ ‏(‏ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ‏)‏ وَكَأَنَّ سَالِمًا هَلَكَ أَوْ غَصَبَ مِنْ التَّرِكَةِ مُؤَاخَذَةً لِلْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِلرُّجُوعِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ إنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ وَثُلُثَا سَالِمٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ‏:‏ إنْ قُتِلْتُ أَوْ إنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْأُولَى أَوْ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَبِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ فِي الثَّانِيَةِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ فِي الْأُولَى وَبِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُنْكِرٌ لِلْقَتْلِ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً فِي الثَّانِيَةِ بِمَوْتِهِ فِي شَعْبَانَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ، وَإِنْ عُلِّقَ عِتْقُ سَالِمٍ بِمَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَعُلِّقَ عِتْقُ غَانِمٍ بِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ أَوْ بِالْبُرْءِ مِنْ مَرَضِهِ فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمُوجِبِ عِتْقِهِمَا، فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا أَوْجُهٌ، أَظْهَرُهَا آخِرُهَا‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ ‏]‏

المتن‏:‏

شَرْطُ الْقَائِفِ‏:‏ مُسْلِمٌ عَدْلٌ، مُجَرَّبٌ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ، لَا عَدَدٍ، وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا، فَإِذَا تَدَاعَيَا مَجْهُولًا عُرِضَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي وَطْءٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ بِأَنْ وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مَنْكُوحَةً فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ عُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً أَمْ لَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ فِي بَابَيْ الْعِدَّةِ وَاللَّقِيطِ، وَالْقَائِفُ لُغَةً مُتَتَبِّعُ الْآثَارِ، وَالْجَمْعُ قَافَةٌ كَبَائِعٍ وَبَاعَةٌ، وَشَرْعًا مَنْ يُلْحِقُ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ‏:‏ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا بِهَا رُءُوسَهَا وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ‏}‏ فَإِقْرَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَافَةَ حَقٌّ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ لَمَنَعَهُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِالْحَقِّ ا هـ‏.‏

وَسَبَبُ سُرُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَهُ مُجَزِّزٌ‏.‏ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَوِيلًا أَسْوَدَ أَقْنَى الْأَنْفِ، وَكَانَ زَيْدٌ قَصِيرًا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَخْنَسَ الْأَنْفِ، وَكَانَ طَعْنُهُمْ مَغِيظَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كَانَا حِبَّيْهِ، فَلَمَّا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَرَى إلَّا أَقْدَامَهُمَا سُرَّ بِهِ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد‏:‏ إنَّ زَيْدًا كَانَ أَبْيَضَ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ وَزَيْدٌ مِثْلُ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ، وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ دَعَا قَائِفَيْنِ فِي رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا، وَشَكَّ أَنَسٌ فِي مَوْلُودٍ لَهُ فَدَعَا لَهُ قَائِفًا، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏.‏ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ‏:‏ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا مَرَّ، وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْ بَعْضِ التُّجَّارِ أَنَّهُ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ مَمْلُوكًا أَسْوَدَ شَيْخًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَكُنْت فِي بَعْضِ أَسْفَارِي رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَالْمَمْلُوكُ يَقُودُهُ فَاجْتَازَ بِنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فَأَمْعَنَ فِينَا نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ مَا أَشْبَهَ الرَّاكِبَ بِالْقَائِدِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَرَجَعْتُ إلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ‏:‏ إنَّ زَوْجِي كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَزَوَّجَنِي بِهَذَا الْمَمْلُوكِ فَوَلَدْتُكَ ثُمَّ فَكَّنِي وَاسْتَلْحَقَكَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَحْكُمُ بِالْقِيَافَةِ وَتَفْخَرُ بِهَا وَتَعُدُّهَا مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهَا، وَهِيَ وَالْفِرَاسَةُ غَرَائِزُ فِي الطِّبَاعِ يُعَانُ عَلَيْهَا الْمَجْبُولُ وَيَعْجِزُ عَنْهَا الْمَصْرُوفُ عَنْهَا، وَلِلْقَائِفِ شُرُوطٌ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏شَرْطُ الْقَائِفِ‏)‏ أَيْ شُرُوطُهُ ‏(‏مُسْلِمٌ‏)‏ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ ‏(‏عَدْلٌ‏)‏ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ فَاسِقٍ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ قَاسِمٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَيَأْتِي بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَا الشَّخْصُ، وَمَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا هُوَ حَسَنٌ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ بَصِيرًا نَاطِقًا وَانْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ عَنْ الَّذِي يَنْفِيهِ عَنْهُ، وَانْتِفَاءَ الْوَلَاءِ عَمَّنْ يَلْحَقُهُ بِهِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَلَا أَمْنَعُ قِيَافَةَ الْأَخْرَسِ إذَا فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ، وَفِي الْمَطْلَبِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ سَمِيعًا، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏مُجَرَّبٌ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِخَطِّهِ فِي مَعْرِفَةِ النَّسَبِ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ‏}‏ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَمَا لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ، وَفَسَّرَ الْمُحَرَّرُ التَّجْرِبَةَ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى كَذَلِكَ فِي نِسْوَةٍ فِيهِنَّ أُمُّهُ، فَإِنْ أَصَابَ فِي الْكُلِّ فَهُوَ مُجَرَّبٌ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِ حُكْمَيْنِ أَحَدَهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّجْرِبَةِ ثَلَاثًا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ مَعَ أُمِّهِ، وَقَدْ تَعْجَبُ مِنْ حَذْفِهِ لِذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُنَازَعٌ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الثَّلَاثِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ خِبْرَةٍ لَا عَنْ اتِّفَاقٍ، وَهَذَا قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ الثَّلَاثِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا نَظِيرُ مَا رَجَّحُوهُ فِي تَعْلِيمِ جَارِحَةِ الصَّيْدِ‏.‏ وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَإِنَّ ذِكْرَ الْأُمِّ مَعَ النِّسْوَةِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ، لِلْأَوْلَوِيَّةِ إذْ الْأَبُ مَعَ الرِّجَالِ كَذَلِكَ، وَكَذَا سَائِرُ الْعَصَبَةِ وَالْأَقَارِبِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا‏.‏ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏:‏ كَيْفِيَّةُ التَّجْرِبَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ فَيُصِيبُ فِي الْكُلِّ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ الْمُجَرَّبَ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَبْقَى فَائِدَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَقَدْ يُصِيبُ فِي الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا فَلَا يُؤَثِّرُ بِالتَّجْرِبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرَضَ مَعَ صِنْفِ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ وَلَا يَخُصُّ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَإِذَا أَصَابَ فِي الْكُلِّ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ ا هـ‏.‏

وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَبِرُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، فَمَتَى حَصَلَتْ عُمِلَ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْ بِمَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ ‏(‏اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ‏)‏ كَالْقَاضِي‏.‏ وَالثَّانِي لَا كَالْمُفْتِي ‏(‏لَا‏)‏ اشْتِرَاطُ ‏(‏عَدَدٍ‏)‏ فَيَكْفِي قَوْلُ الْوَاحِدِ كَالْقَاضِي وَالْقَاسِمِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُشْتَرَطُ كَالْمُزَكِّي وَالْمُقَوِّمِ ‏(‏وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا‏)‏ أَيْ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَهُمْ رَهْطُ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَمَنْ تَعَلَّمَهُ عَمِلَ بِهِ‏.‏ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَائِفًا يَقُوفُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى بَنِي مُدْلِجٍ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى جَمَاعَةً بِنَوْعٍ مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْفَضَائِلِ كَمَا خَصَّ قُرَيْشًا بِالْإِمَامَةِ‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَتَيْنِ يُعْرَضُ الْوَلَدُ فِيهِمَا عَلَى الْقَائِفِ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِذَا‏)‏ ‏(‏تَدَاعَيَا‏)‏ أَيْ شَخْصَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَا وَلَدًا ‏(‏مَجْهُولًا‏)‏ صَغِيرًا لَقِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُدْفَنْ ‏(‏عُرِضَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْقَائِفِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ كِتَابِ اللَّقِيطِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ سُكْرًا يُعْذَرُ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَمْ يُعْرَضْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّاحِي وَلَوْ انْتَسَبَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ عُمِلَ بِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ أَوْ لَا، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي اللَّقِيطِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ الْتِقَاطٍ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِلَّا قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ إنْ تَقَدَّمَ اسْتِلْحَاقُهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ أَصَحُّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ‏)‏ ‏(‏ اشْتَرَكَا‏)‏ أَيْ رَجُلَانِ ‏(‏فِي وَطْءٍ‏)‏ لِامْرَأَةٍ ‏(‏فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا‏)‏ أَيْ مِنْ كُلٍّ ‏(‏مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ‏)‏ أَيْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا، وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَطْئَيْنِ حَيْضَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مُكَلَّفًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَطْءِ فِي صُوَرٍ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِأَنْ‏)‏ ‏(‏وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ‏)‏ كَأَنْ وَجَدَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فِرَاشِهِ فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِأَنْ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَةً ‏(‏مُشْتَرَكَةً لَهُمَا، أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ‏)‏ وَطِئَ ‏(‏أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا‏)‏ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ لَكَانَ لَهُ قَلْبٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ مَاءِ شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَاءُ الْمَرَّةِ وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ مِنْهُ حَصَلَتْ عَلَيْهِ غِشَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ اخْتِلَاطِ مَاءِ الثَّانِي بِمَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا نُقِلَ عَنْ إجْمَاعٍ الْأَطِبَّاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي وَطْءٍ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَكَانِ، بَلْ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا وَأَنْزَلَ دَاخِلَ الْفَرْجِ كَانَ كَالْوَطْءِ، وَكَذَا الْإِنْزَالُ خَارِجَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ وَاسْتِدْخَالُ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ وَطِئَا بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ شُبْهَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَقَعَ الْوَطْآنِ فِي طُهْرٍ، فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا حَيْضَةٌ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ لَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا ‏(‏وَكَذَا لَوْ‏)‏ ‏(‏وَطِئَ‏)‏ بِشُبْهَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏مَنْكُوحَةً‏)‏ لِغَيْرِهِ نِكَاحًا صَحِيحًا وَوَلَدَتْ مُمْكِنًا مِنْهُ وَمِنْ زَوْجِهَا يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الزَّوْجُ لِلْإِلْحَاقِ، بَلْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ لِقُوَّةِ فِرَاشِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْوَطْءِ، وَلَا يَكْفِي اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلُودِ حَقًّا فِي النَّسَبِ وَاتِّفَاقُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَيُعْرَضُ بِتَصْدِيقِهِ إنْ بَلَغَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةِ الْوَطْءِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَلَدِ الْمُكَلَّفِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَلْقَتْ سَقْطًا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ‏.‏ قَالَ الْفُورَانِيُّ‏:‏ إذَا ظَهَرَ فِيهِ التَّخْطِيطُ دُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَمَةً وَبَاعَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَصِحُّ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ عَمَّنْ تَثْبُتُ‏؟‏، وَفِي الْحُرَّةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ عَمَّنْ كَانَ مُتَّهَمًا ‏(‏فَإِذَا وَلَدَتْ‏)‏ تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ‏(‏لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ‏)‏ وَكَذَا ‏(‏مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ‏)‏ أَيْ الْوَلَدَ ‏(‏عُرِضَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَادَّعَيَاهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ نَكَلَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي‏)‏ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حُصُولِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ، وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا اللَّهُمَّ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ‏)‏ ‏(‏الْأَوَّلُ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ‏)‏ وَالثَّانِي مِنْهُمَا وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ مَعَ فِرَاشِ النِّكَاحِ قَائِمٌ مَقَامَ نَفْسِ الْوَطْءِ، وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْحَيْضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ ‏(‏وَسَوَاءٌ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ ‏(‏اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً‏)‏ بِكَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ ‏(‏أَمْ لَا‏)‏ كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَخْتَلِفُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً تَبِعَهُ نَسَبًا وَدِينًا، كَمَا لَوْ أَقَامَهَا الْمُسْلِمُ أَوْ لَحِقَهُ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا تَبِعَهُ نَسَبًا لَا دِينًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، فَلَا يَحْضُنُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ، أَوْ ادَّعَاهُ حُرٌّ وَعَبْدٌ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْعَبْدِ، أَوْ لَحِقَ بِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا لَحِقَهُ فِي النَّسَبِ وَكَانَ حُرًّا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عُدِمَ الْقَائِفُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ تَحَيَّرَ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا وَيَخْتَارَ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْمَيْلِ الَّذِي يَجِدُهُ وَيُحْبَسُ لِيَخْتَارَ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِانْتِسَابِ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَيْلًا إلَى أَحَدِهِمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ قَائِفِ إلَّا قَبْلِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ لِغَيْرِ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ مَعَ امْتِحَانٍ لَهُ بِذَلِكَ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا نَسَبَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَنْكَرَتْهُ زَوْجَتُهُ لَحِقَهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ دُونَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ أُخْرَى وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَأَنْكَرَهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَ زَوْجُ الْمُنْكِرَةِ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فَيَسْقُطَانِ وَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهَا لَحِقَهَا، وَكَذَا زَوْجُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، أَوْ بِالرَّجُلِ لَحِقَهُ وَزَوْجَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدَ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا، وَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ قَائِفٍ بِقَوْلِ قَائِفٍ آخَرَ، وَلَوْ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ بِالْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ، وَآخَرُ بِالْأَشْبَاهِ الْخَفِيَّةِ كَالْخَلْقِ وَتَشَاكُلِ الْأَعْضَاءِ فَالثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ حِذْقٍ وَبَصِيرَةٍ، وَلَوْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ التَّوْأَمَيْنِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ أَلْحَقَ أَحَدَهُمَا بِأَحَدِهِمَا، وَالْآخَرَ بِالْآخَرِ بَطَلَ قَوْلُهُ حَتَّى يُمْتَحَنَ وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُعْمَلَ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِاثْنَيْنِ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ قَائِفَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْإِلْحَاقِ حَتَّى يُمْتَحَنَا وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُمَا، وَيَلْغُو انْتِسَابُ بَالِغٍ أَوْ تَوْأَمَيْنِ إلَى اثْنَيْنِ، فَإِنْ رَجَّعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ إلَى الْآخَرِ قُبِلَ، وَيُؤْمَرُ الْبَالِغُ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَمَتَى أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَاهُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْقَائِفِ أَوْ يُنْتَسَبَ، وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ مَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ إنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ، وَيَقْبَلَانِ لَهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ عَلَى الْمُطْلِقِ فَيُعْطِيهَا لَهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ إنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَيِّتًا، لَا إنْ تَغَيَّرَ أَوْ دُفِنَ، وَإِنْ مَاتَ مُدَّعِيهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ مَعَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ‏.‏

كِتَابُ الْعِتْقِ

المتن‏:‏

إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَ إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ لُغَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ وَاسْتَقَلَّ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ خَلَصَ وَاسْتَقَلَّ‏.‏ وَشَرْعًا‏:‏ إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْآدَمِيِّ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُّ رَقَبَةٍ‏}‏ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏}‏ - أَيْ بِالْإِسْلَامِ - ‏{‏وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ‏}‏ أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ‏}‏ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏{‏‏:‏ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ‏}‏ وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ، فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا، فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِي رَقَبَتِهِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً، وَنَحَرَ بِيَدِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ تِسْعًا وَسِتِّينَ، وَعَاشَتْ كَذَلِكَ، وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا، وَأَعْتَقَ الْعَبَّاسُ سَبْعِينَ، وَأَعْتَقَ عُثْمَانُ وَهُوَ مُحَاصَرٌ عِشْرِينَ، وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا، وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ، وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً، وَحَبَسَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْتَقَ ذُو الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا‏.‏ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَلِ الْجَنَّةِ‏}‏ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ آمِينَ‏.‏ وَالْعِتْقُ الْمُنْجَزُ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْمُعَلَّقُ، فَفِي الصَّدَاقِ مِنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ عَقْدَ قُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَيْ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَعْلِيقَهُ الْعَارِي عَنْ قَصْدِ مَا ذُكِرَ كَالتَّدْبِيرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ‏.‏ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ‏:‏ مُعْتِقٌ، وَعَتِيقٌ، وَصِيغَةٌ‏.‏ وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ‏(‏إنَّمَا‏)‏ ‏(‏يَصِحُّ مِنْ‏)‏ مَالِكٍ ‏(‏مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ‏)‏ أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارًا، وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْلَى فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ، وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا، وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ ‏(‏وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ‏)‏ بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِعِوَضٍ أَيْضًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ‏.‏ قَالَ فِي الْبَسِيطِ‏:‏ وَكَذَا وَقْتُهُ نَفَذَ وَلَغَا التَّوْقِيتُ ا هـ‏.‏

وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ‏(‏عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ‏)‏ لَمْ تَعُدْ الصِّفَةُ، وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ فِي تَعْلِيقِ الْإِعْتَاقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ الْفَكِّ، أَوْ يُحْتَمَلُ وُجُودُهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا مِنْ مَالِكِ الْعَبْدِ الْجَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ، وَمِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِدَّةٍ ‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ مِنْ الرَّقِيقِ كَيَدِهِ أَوْ شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبُعِهِ ‏(‏فَيَعْتِقُ كُلُّهُ‏)‏ سِرَايَةً كَنَظِيرِهِ فِي إطْلَاقٍ وَسَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَغَيْرُهُ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ عِتْقَهُ وَقَالَ‏:‏ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ‏}‏ هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ لَهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلَى الْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ، وَلِذَا حَمَلَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَصَحُّهُمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ‏.‏ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِبْهَامُكِ حُرٌّ، فَقَطَعَ إبْهَامَهُ ثُمَّ دَخَلَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعْتِقُ رَقِيقًا فَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي إعْتَاقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ نِصْفَهُ فَقَطْ مَثَلًا فَالْأَصَحُّ عِتْقُ ذَلِكَ النِّصْفِ فَقَطْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْقَطْعَ بِعِتْقِ الْكُلِّ، وَاسْتُشْكِلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ السِّرَايَةِ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ النِّصْفَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُوَكَّلِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِذَا حُكِمَ بِالسِّرَايَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْعِتْقِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَكِيلِ، فَلَأَنْ يَسْرِيَ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْلَى، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ فِيمَا مَرَّ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمُ النُّفُوذِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَى الْعِتْقِ نَفَّذْنَاهُ فِيمَا أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ تَتَرَتَّبْ السِّرَايَةُ عَلَى مَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ السِّرَايَةِ قَدْ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُهُ فِي عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَ بَعْضِهِ بِالسِّرَايَةِ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ الْمَالِكُ يَحْتَاجُ إلَى نِصْفِ رَقَبَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا يُعْتِقَ النِّصْفَ فَقَطْ، فَإِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يُمْكِنُ عِتْقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَأَمَّا الْمُسْتَشْكَلُ بِهِ فَقَدْ وَافَقَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَهُوَ إذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِنَفْسِهِ سَرَى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ‏.‏ وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ‏.‏ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُؤَجَّرٍ، بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَوَقْفٍ كَمَا مَرَّ وَكَرَهْنٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ، وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا كِنَايَتُهُ، وَهِيَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ، لَا سَبِيلَ، لَا خِدْمَةَ، أَنْتَ سَائِبَةٌ، أَنْتَ مَوْلَايَ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ، وَلِأَمَةٍ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ عِتْقُكَ إلَيْك أَوْ خَيَّرْتُك وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ، أَوْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهُ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ‏:‏ الصِّيغَةُ وَهِيَ‏.‏ إمَّا لَفْظٌ صَرِيحٌ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ‏.‏ فَقَالَ ‏(‏وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ‏)‏ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُكَ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُنَكَّرَيْنِ، وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ؛ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ‏)‏ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي‏:‏ هُوَ كِنَايَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُّ رَقَبَةٍ‏}‏ أَيْ مِنْ الْأَسْرِ، وَقِيلَ بِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ‏{‏فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْفَكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتَ تَحْرِيرٌ أَوْ إعْتَاقٌ أَوْ فَكٌّ كَانَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَلَاقٌ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهَا‏:‏ يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ لَهَا بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ، فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تُعْتَقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمُكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُعْتَقْ بَاطِنًا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَا ظَاهِرًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ‏.‏ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَهَا مِنْ الْوِثَاقِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوِثَاقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَمَتُك قَحْبَةٌ، فَيَقُولُ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الصِّفَةِ لَا الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تُعْتَقْ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَتَهُ بِذَلِكَ تَوَرُّعًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ اُفْرُغْ مِنْ عَمَلِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ أَرَدْتُ حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ مِثْلُ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُعْتَقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّمَا يُعْتَقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ‏:‏ أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِضَارِبِ عَبْدِهِ‏:‏ عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُك لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ ‏(‏وَلَا يَحْتَاجُ‏)‏ الصَّرِيحُ ‏(‏إلَى نِيَّةٍ‏)‏ لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ‏.‏ أَمَّا قَصْدُ لَفْظِ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ احْتِيَاجِ الصَّرِيحِ لِنِيَّةِ مَعْلُومٍ مِنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ ‏(‏وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا‏)‏ أَيْ النِّيَّةِ ‏(‏كِنَايَتُهُ‏)‏ بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ الْعِتْقِ، وَإِنْ احْتَفَتْ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْكِنَايَةُ ‏(‏لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ‏)‏ لِي عَلَيْكَ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ، وَهِيَ ‏(‏لَا سَبِيلَ ، لَا خِدْمَةَ‏)‏ لَا يَدَ لَا أَسْرَ وَنَحْوُهَا ‏(‏أَنْتَ‏)‏ بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ ‏(‏سَائِبَةٌ، أَنْتَ مَوْلَايَ‏)‏ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَزَلْت مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْكَ لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ يَا سَيِّدِي هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ‏:‏ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ أَوْ خِطَابٌ بِلَفْظٍ وَلَا إشْعَارَ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هِيَ كَقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ‏:‏ وَضَابِطُ الْكِنَايَةِ هُنَا كُلُّ لَفْظٍ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمِلْكِ أَوْ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ‏(‏وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ‏)‏ لِإِشْعَارِهَا بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْمِلْكِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ‏:‏ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى إعْتَاقَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً لَمْ يُعْتَقْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُ الزَّوْجَيْنِ، وَالرِّقَّ خَاصٌّ بِالْعَبْدِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمِكَ وَنَوَى الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَوَجْهَانِ‏:‏ أَصَحُّهُمَا الْعِتْقُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ لِلطَّلَاقِ يُخْرِجُ صَرَائِحَ وَكِنَايَاتٍ غَيْرَهُ، لَكِنْ الظَّاهِرُ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَاتُهُ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ يَا خَوَاجَا لَمْ يُعْتَقْ‏.‏ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ‏:‏ وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ مَنْ قَالَ‏:‏ لِعَبْدِهِ جَزَاهُ اللَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ا هـ‏.‏

وَلَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ يس‏:‏ إذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي قَدِيمٍ حُرٌّ أَوْ كَتَبَ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْهُمْ مَنْ مَضَى لَهُ حَوْلٌ وَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمَحْمُولُ ا هـ‏.‏

‏(‏وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَنْتِ‏)‏ بِكَسْرِ التَّاءِ بِخَطِّهِ ‏(‏حُرَّةٌ وَلِأَمَةٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَنْتَ‏)‏ بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ أَيْضًا ‏(‏حُرٌّ‏)‏ ‏(‏صَرِيحٌ‏)‏ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ عَلَى الْعِبَارَةِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي مُشَابَهَةِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ فِي التَّعْوِيضِ وَالتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ شَخْصٌ لِرَقِيقِهِ ‏(‏عِتْقُكَ إلَيْك‏)‏ أَيْ جَعَلْتُهُ ‏(‏أَوْ خَيَّرْتُك‏)‏ فِي إعْتَاقِك بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ‏:‏ حَرَّرْتُكَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ التَّحْرِيرِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ صَرِيحَةٌ، وَصَوَابُهُ حُرِّيَّتكَ مَصْدَرًا مُضَافًا كَاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ ‏(‏وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ‏)‏ كَمَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَتَقَارَبَانِ، فَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَجَعَلْتُ عِتْقَكَ إلَيْكَ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ الْعَامِلَ يُوهِمُ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ‏.‏

وَلِهَذَا قَيَّدْتُ الْعَامِلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ مَعَ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ، لَكِنْ صَرَّحَا فِي الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي التَّفْوِيضِ بِالْكِنَايَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ وَنَوَى قَيْدًا فِي الْأَخِيرَةِ خَاصَّةٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ، لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ اشْتِرَاطُهُ حَيْثُ قَالَا‏:‏ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْحَالِ عَتَقَ وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ، مَجْلِسُ التَّخَاطُبِ لَا الْحُضُورِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِيجَابِ ‏(‏أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ‏)‏ مَثَلًا فِي ذِمَّتِك ‏(‏أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ‏)‏ فِي الْحَالِ ‏(‏أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ‏)‏ فِي الِاسْتِيجَابِ ‏(‏أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَأَجَابَهُ‏)‏ فِي الْحَالِ ‏(‏عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ‏)‏ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَالْخُلْعِ بَلْ أَوْلَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى تَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْفِرَاقِ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ نَازِعَةٌ إلَى الْجَعَالَةِ، وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُهُ تَمْلِيكًا، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَاهُ بَعْدَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُك عَلَى كَذَا إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَالْعِوَضُ مُؤَجَّلٌ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا كَانَ فِي يَدِ عَبْدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ اكْتَسَبَهَا، فَقَالَ السَّيِّدُ أَعْتَقْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ يُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا كَسْبُ عَبْدِهِ‏.‏ وَثَانِيهَا‏:‏ يُعْتَقُ وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْقِيمَةِ كَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ‏.‏ وَثَالِثُهَا‏:‏ يُعْتَقُ وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ لِرَقِيقِهِ ‏(‏بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ‏)‏ فِي ذِمَّتِك حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً تَرُدُّهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِك ‏(‏فَقَالَ‏:‏ اشْتَرَيْت‏)‏ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ‏)‏ كَالْكِتَابَةِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَثْبَتُ وَالْعِتْقَ فِيهِ أَسْرَعُ ‏(‏وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ‏)‏ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ عَقْدُ عَتَاقَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بَيْعٍ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَثَبَتَ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ‏)‏ لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏ وَهَذَا عِتْقٌ غَلَبَ فِيهِ شَائِبَةُ الْعِتْقِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ‏.‏ هَذَا إذَا بَاعَهُ نَفْسَهُ جَمِيعًا، فَلَوْ بَاعَهُ بَعْضَ نَفْسِهِ سَرَى عَلَى الْبَائِعِ إنْ قُلْنَا الْوَلَاءُ لَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ، فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ لَا وَلَاءَ لَهُ لَمْ يَسْرِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا عَنْ حَطِّ شَيْءٍ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْإِعْتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ‏:‏ وَهَبْتُكَ نَفْسَكَ وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ، أَوْ التَّمْلِيكَ فَكَذَلِكَ إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ أَعْتَقْتُكِ أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ عَتَقَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ دُونَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لِحَامِلٍ‏:‏‏)‏ أَيْ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ‏(‏أَعْتَقْتُكِ‏)‏ وَأَطْلَقَ ‏(‏أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ‏)‏ ‏(‏عَتَقَا‏)‏ أَيْ عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا فِي الْعِتْقِ حَمْلُهَا، وَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَعِتْقُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْأَشْقَاصِ لَا فِي الْأَشْخَاصِ، وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَخِيرَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ مَعًا لَا مُرَتَّبًا وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِيهِ، لَكِنْ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ وَالثُّلُثُ يَفِي بِهَا دُونَ الْحَمْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْتَقُ دُونَهُ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُ سَالِمًا، ثُمَّ غَانِمًا، وَكَانَ الْأَوَّلُ ثُلُثُ مَالِهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرَتِّبَ هُوَ الْعِتْقَ أَوْ يُرَتِّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ‏.‏ وَهُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي وَفِيهَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَيِّتِ لَا يَسْرِي وَأَصَحُّهُمَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْهَا ‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَهُ‏)‏ أَيْ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لَهُ ‏(‏عَتَقَ دُونَهَا‏)‏ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ تُعْتَقُ بِعِتْقِهِ كَعَكْسِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَيْهَا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا عِتْقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ كَمُضْغَةٍ كَأَنْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْت مُضْغَتَك فَهُوَ لَغْوٌ كَمَا حَكَاهُ قُبَيْلَ التَّدْبِيرِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَقَرَّاهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ، ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَنْفَصِلَ لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ لَا يُعْطِي حُكْمَ الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْمَعْدُومِ وَبِالنَّجَسِ تَوَسَّعُوا فِيهَا فَلَمْ يَشْرِطُوا فِي الْحَمْلِ نَفْخَ الرُّوحِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ مُضْغَةُ هَذِهِ الْأَمَةِ حُرَّةٌ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِانْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا وَتَصِيرُ الْأُمُّ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ‏.‏ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِيرَ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِشُبْهَةٍ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ وَصَوَابُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا، وَبِأَنَّ هَذِهِ الْمُضْغَةَ مِنْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ مُضْغَةُ أَمَتِي لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِقْرَارِ فَقَدْ تَكُونُ لِلْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَعْتَقْتُ مُضْغَتَهَا أَيْ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ، وَمَا صَوَّبَهُ غَيْرُ كَافٍ أَيْضًا؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ‏:‏ عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ نَحْوَهُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ ‏(‏وَلَوْ كَانَتْ‏)‏ تِلْكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ ‏(‏لِرَجُلٍ، وَالْحَمْلُ لِآخَرَ‏)‏ كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ‏(‏لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِتْبَاعٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَالِكَيْنِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ‏:‏ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ حَيًّا عَتَقَ، وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِحَائِلٍ فَحَمَلَتْ وَوَضَعَتْ حَيًّا عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ إنْ وَلَدْت أَوَّلًا ذَكَرًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ وَلَدْت أَوَّلًا أُنْثَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، ثُمَّ أُنْثَى أَعْتَقَ الذَّكَرَ فَقَطْ، أَوْ بِالْعَكْسِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالذَّكَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالُ عِتْقِ الْأُمِّ كَانَ جَنِينًا فَتَبِعَهَا، وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ مَعًا فَلَا عِتْقَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ أَوَّلًا مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَتَقَ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَلَوْ دَخَلَ اثْنَانِ ثُمَّ ثَالِثٌ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إذْ لَا يُوصَفُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ أَوَّلٌ‏.‏ وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْمُسَابَقَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ مِنْ الْإِطْلَاقِ ثَمَّ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُخْرِجَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ عِتْقٍ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي هَذِهِ‏:‏ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ فَيَتَبَيَّنَ الْآخَرُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيكِهِ، وَإِلَّا سَرَى إلَيْهِ، أَوْ إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي قَوْلٍ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَقَوْلٍ إنْ دَفَعَهَا بَانَ أَنَّهَا بِالْإِعْتَاقِ، وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ، وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ، وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ أَمْ مُخْتَلِفَيْنِ ‏(‏عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ‏)‏ أَوْ بَعْضَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ‏(‏عَتَقَ نَصِيبُهُ‏)‏ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا ‏(‏فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا‏)‏ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ ‏(‏بَقِيَ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ الْعَبْدِ ‏(‏لِشَرِيكِهِ‏)‏ وَلَا يَسْرِي لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْآتِي ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا ‏(‏سَرَى‏)‏ الْعِتْقُ عَلَيْهِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمُعْسِرِ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا ذَلِكَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَلَسِ وَيُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ، وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَرَى ‏(‏إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ‏)‏ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَأَعْتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ‏}‏، وَفِي رِوَايَةٍ ‏{‏إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ‏}‏ وَأَمَّا رِوَايَةُ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى لِصَاحِبِهِ فِي قِيمَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ‏}‏ فَمُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ، أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَسْعَى لِشَرِيكِ الْمُعْتِقِ أَيْ يَخْدُمُهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِخْدَامُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا سِرَايَةَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ مَوْقُوفَةً لَمْ يُسْرِ الْمُعْسِرُ الْعِتْقَ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ‏:‏ وَبِهِ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ جَمِيعُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ عَلَى هَذَا الْمُوسِرِ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَعَتَقَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ بِلَا سِرَايَةٍ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُوسِرِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ ‏(‏قِيمَةُ ذَلِكَ‏)‏ الْقَدْرِ الَّذِي أَيْسَرَ لَهُ ‏(‏يَوْمَ‏)‏ أَيْ وَقْتَ ‏(‏الْإِعْتَاقِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ أَوْ وَقْتُ سَبَبِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إذَا سَرَتْ لِنَفْسِهِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَإِجْبَارِهِ عَلَيْهَا، فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الشَّرِيكُ فَلِلْعَبْدِ الْمُطَالَبَةُ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ طَالَبَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْعِتْقِ وَرَجَعَ أَهْلُ التَّقْوِيمِ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ أَوْ طَالَ الْعَهْدُ صَدَقَ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ‏(‏وَتَقَعُ السِّرَايَةُ‏)‏ الْمَذْكُورَةُ ‏(‏بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ‏)‏ فَتَنْتَقِلُ الْحِصَّةُ إلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ تَقَعُ السِّرَايَةُ بِهِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ ‏"‏ نَفْسِ ‏"‏ كَمَا حَذَفَهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ كَانَ أَوْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ الشَّرِيكَانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَإِنَّ فِي التَّعْجِيلِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ بِفَوَاتِ الْوَلَاءِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ قَدِيمٍ تَقَعُ السِّرَايَةُ ‏(‏بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ‏)‏ أَوْ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ فِي إزَالَةِ مِلْكِ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضُ إضْرَارًا بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ لِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَلَا يَكْفِي الْإِبْرَاءُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏قَوْلٍ‏)‏ السِّرَايَةُ مَوْقُوفَةٌ ‏(‏إنْ دَفَعَهَا‏)‏ أَيْ الْقِيمَةَ ‏(‏بَانَ أَنَّهَا‏)‏ أَيْ السِّرَايَةَ ‏(‏بِالْإِعْتَاقِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ يَضُرُّ السَّيِّدَ، وَالتَّأْخِيرَ إلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ يَضُرُّ بِالْعَبْدِ وَالتَّوَقُّفُ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَرِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا تُخَصُّ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏اسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ‏)‏ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا ‏(‏يَسْرِي‏)‏ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالنُّفُوذِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ عِتْقِهِمَا‏.‏ وَإِيلَادُ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ كَالْعِتْقِ، نَعَمْ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ سَرَى كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُلُّهَا لَهَا ‏(‏وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ‏)‏ لِلْإِتْلَافِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ أَيْضًا ‏(‏حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا، وَهَلْ يُفْرَدُ أَوْ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ‏؟‏ خِلَافٌ اضْطَرَبَ التَّرْجِيحُ فِي نَظَائِرِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَهَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَهْرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ الْآتِي؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ‏.‏ نَعَمْ إنْ أَنْزَلَ مَعَ الْحَشَفَةِ وَقُلْنَا بِمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ مَعَ الْعُلُوقِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ الْوُجُوبُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوسِرِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَسْرِي كَالْعِتْقِ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي مُسْتَوْلَدَتِهِمَا لِمُصَادَفَةِ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرُّ، وَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مَهْرِهَا لِلْآخَرِ وَيَأْتِي فِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ ‏(‏وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ‏)‏ السَّابِقَةُ ‏(‏فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ‏)‏ وَالْعُلُوقُ هُنَا كَالْإِعْتَاقِ ‏(‏فَعَلَى الْأَوَّلِ‏)‏ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏الثَّانِي‏)‏ وَهُوَ التَّبَيُّنُ ‏(‏لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ‏)‏؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ، فَلَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ‏.‏ أَمَّا عَلَى الثَّانِي الْقَائِلِ بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ التَّدْبِيرِ ‏(‏وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ‏)‏ فَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ، فَلَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ وَلَا يَسْرِي أَيْضًا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ، وَلَا يَسْرِي أَيْضًا مِنْ بَعْضِهِ إلَى بَاقِيهِ فِيمَنْ مَلَكَهُ كُلَّهُ ‏(‏وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ‏)‏ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ‏.‏ وَالثَّانِي تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُوسِرٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا كَانَ مَنْ يَسْرِي عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ بَعْدَ أَنْ عَلَّقَ عِتْقَ حِصَّتِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ حَالَ الْحَجْرِ فَلَا سِرَايَةَ، وَفِي نَظِيرِهِ فِي حَجْرِ السَّفَهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ أَضْرَرْنَا بِالْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ السَّفِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ‏:‏ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ، وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ‏:‏ إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا‏:‏ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ عَنْهُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ‏:‏ أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ‏)‏ الشَّرِيكُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي ‏(‏صُدِّقَ‏)‏ الْمُنْكِرُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ‏(‏فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ‏)‏ إنْ حَلَفَ ‏(‏وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا‏)‏ بِالرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُ ‏(‏يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ‏)‏ فِي الْحَالِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ‏(‏وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ عِتْقًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِرَجُلٍ‏:‏ إنَّك اشْتَرَيْتَ نَصِيبِي فَأَعْتَقْتَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْرِي وَلَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِهَذَا الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مَا تَوَجَّهَتْ الدَّعْوَى نَحْوَهُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلدَّعْوَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ عَبْدَكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَبْدِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ الْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَ وَحَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ، فَلَوْ اشْتَرَى الْمُدَّعِي نَصِيبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي ‏(‏وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ‏:‏‏)‏ وَلَوْ مُعْسِرًا ‏(‏إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ‏)‏ الْمَنْقُولُ لَهُ نَصِيبُهُ ‏(‏وَهُوَ مُوسِرٌ‏)‏ ‏(‏سَرَى إلَى نَصِيبِ‏)‏ الشَّرِيكِ ‏(‏الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا‏:‏ السِّرَايَةُ‏)‏ تَحْصُلُ ‏(‏بِالْإِعْتَاقِ‏)‏ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ‏(‏وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ‏)‏ أَيْ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُعَلِّقِ وَلَا يُعْتَقُ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى النِّصْفِ تَعْلِيقٌ وَسِرَايَةٌ وَالسِّرَايَةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا قَهْرِيَّةٌ لَا مَدْفَعَ لَهَا، وَمُوجِبُ التَّعْلِيقِ قَابِلٌ لِلدَّفْعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ بَعْدَ نَصِيبِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ‏:‏ فَنَصِيبِي حُرٌّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ أَنْ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ‏:‏ إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ وَأُدِّيَتْ الْقِيمَةُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَلَا سِرَايَةَ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمُعَلِّقِ نَصِيبُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ لِشَرِيكِهِ‏:‏ إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ ‏(‏فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ‏)‏ أَيْ قَبْلَ عِتْقِ نَصِيبِكَ ‏(‏فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ‏)‏ الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏عَنْهُ‏)‏ الْمُنْجَزُ فِي الْحَالِ، وَالْمُعَلِّقِ قَبْلَهُ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ وَلَا سِرَايَةَ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْمُعَلِّقَ بِالْمُعْسِرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْآخَرِ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ ‏(‏وَالْوَلَاءُ لَهُمَا‏)‏ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ ‏(‏وَكَذَا إنْ كَانَ‏)‏ الْمُعَلِّقُ ‏(‏مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ‏)‏ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ صَحَّحْنَا الدَّوْرَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ ‏(‏فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ‏)‏ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ إعْتَاقُ الْمَقُولِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ لَعَتَقَ نَصِيبُ الْقَائِلِ‏.‏ قَبْلَهُ، وَلَوْ عَتَقَ لَسَرَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى تَرْتِيبِ السِّرَايَةِ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ سَرَى لَبَطَلَ عِتْقُهُ، فَيَلْزَمُ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ نُفُوذِهِ، وَفِيمَا ذُكِرَ دَوْرٌ، وَهُوَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهُوَ دَوْرٌ لَفْظِيٌّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ‏:‏ نَصِيبِي حُرٌّ مَعَ عِتْقِ نَصِيبِك، أَوْ فِي حَالِ عِتْقِ نَصِيبِكَ فَأَعْتَقَهُ وَقُلْنَا‏:‏ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ فَفِي الْأَصَحِّ يَعْتِقُ عَلَى كُلٍّ نَصِيبُهُ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ الْمَعِيَّةِ الْمَانِعِ لِلسِّرَايَةِ‏.‏ حَادِثَةٌ‏:‏ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ عَوَّضَهَا إيَّاهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَأَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ فَهَلْ يَعْتِقُ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ أَوْ لَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ‏.‏ وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ فِي نَصِيبِهَا وَعَدَمَ السِّرَايَةِ وَالثَّانِي‏:‏ يَقْتَضِي السِّرَايَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ عَدَمُهَا، وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا فِي إسْقَاطِ صَدَاقِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ نَصِيبَيْهِمَا مَعًا عِتْقًا، فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُعْتِقُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ مَعَ التَّفَاوُتِ كَأَنْ ‏(‏كَانَ عَبْدٌ‏)‏ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ ‏(‏لِرَجُلٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ‏)‏ بِكَسْرِ الْخَاءِ بِخَطِّهِ ‏(‏نَصِيبَهُمَا‏)‏ بِالتَّثْنِيَةِ كَانَ تَلَفُّظًا بِالْعِتْقِ ‏(‏مَعًا‏)‏ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ، أَوْ وَكَّلَا وَكِيلًا فَأَعْتَقَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ عَلَّقَاهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَدُخُولِ الدَّارِ وَهُمَا مُوسِرَانِ ‏(‏عِتْقًا‏)‏ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ ‏(‏فَالْقِيمَةُ‏)‏ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَرَى الْعِتْقُ ‏(‏عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ‏)‏ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمَا لَا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّ ضَمَانَ التَّلَفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ‏:‏ كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهِمَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَكَمَا لَوْ وَضَعَ رَجُلَانِ فِي مَاءٍ لِغَيْرِهِمَا نَجَاسَةً فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ وَضَعَ فِيهِ جَرْوًا وَالْآخَرُ جَرْوَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الشُّفْعَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَمَرَافِقِهِ كَالثَّمَرَةِ، وَهَذَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَقَطْ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الثَّالِثِ قَطْعًا، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ بِدُونِ الْوَاجِبِ سَرَى إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحَسَبِ يَسَارِهِمَا، فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ سَرَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَجِدُ، وَإِنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ الْآخِرَانِ بِكَسْرِ الْخَاءِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْمُحَرَّرِ فَأَعْتَقَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ‏:‏ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُ السِّرَايَةِ إعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ لَمْ يَسْرِ، وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَالْمَيِّتُ مُعْسِرٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَشَرْطُ السِّرَايَةِ‏)‏ أَيْ شُرُوطِهَا أَرْبَعَةٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا كَمَا سَتَرَاهُ‏.‏ أَحَدُهَا ‏(‏إعْتَاقُهُ‏)‏ أَيْ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ ‏(‏بِاخْتِيَارِهِ‏)‏ كَشِرَاءِ حُرٍّ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَقَبُولِ هِبَتِهِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ مُقَابِلَ الْإِكْرَاهِ، بَلْ الْمُرَادُ السَّبَبُ فِي الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِالِاخْتِيَارِ عَنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُعْتَقُ فِيهِ الشِّقْصُ وَالْإِكْرَاهُ لَا عِتْقَ فِيهِ أَصْلًا، وَخَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ‏)‏ وَإِنْ سَفَلَ، أَوْ بَعْضَ أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا ‏(‏لَمْ يَسْرِ‏)‏ عَلَيْهِ عِتْقُهُ إلَى بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا، وَمَا لَوْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى جُزْءَ بَعْضِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ سَوَاءٌ أَعَجَزَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ أَمْ بِتَعْجِيزِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هُوَ مُخْتَارٌ فِي الثَّانِيَةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا، وَمَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ اتَّهَبَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِاخْتِيَارِهِ، بَلْ ضِمْنًا، وَمَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَمَاتَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ وَرَدَّ الْأَخُ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ فِيهِ وَاسْتَرَدَّ الْبَعْضَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الْخَاصَّةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ رَدُّ الثَّوْبِ لَا اسْتِرْدَادُ الْبَعْضِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَكِنْ الْمُصَحَّحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا السِّرَايَةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي مِلْكِهِ بِالْفَسْخِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي تَعْجِيزِ السَّيِّدِ مُكَاتَبَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي حُدُوثَ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ، وَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ وَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبِلَهُ الْأَخُ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الْبَعْضُ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ‏.‏ ثَانِي شُرُوطِ السِّرَايَةِ‏:‏ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُضَارِبَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ مَا بَقِيَ بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْرِي عَلَى مُعْسِرٍ ‏(‏وَالْمَرِيضُ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ‏)‏ فَإِنَّهُ إذَا عَتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ نَصِيبُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرُهُ فَلَا سِرَايَةَ، فَإِنْ خَرَجَ نَصِيبُهُ وَبَعْضُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي ‏(‏وَالْمَيِّتُ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏مُعْسِرٌ‏)‏ مُطْلَقًا ‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏أَوْصَى‏)‏ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ ‏(‏بِعِتْقِ نَصِيبِهِ‏)‏ مِنْهُ فَأَعْتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ‏(‏لَمْ يَسْرِ‏)‏ إلَى بَاقِيهِ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ غَيْرِ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْوَارِثِ‏.‏ ثَالِثُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ‏:‏ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهَا قَابِلًا لِلنَّقْلِ، فَلَا سِرَايَةَ فِي نَصِيبِ حُكْمٍ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهِ، وَلَا إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا إلَى الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَزِمَ إعْتَاقُهُ بِمَوْتِ الْمَرِيضِ، أَوْ الْمُعَلِّقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ أَعْتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَا يَسْرِي إلَيْهِ بِعَكْسِهِ مَمْنُوعٌ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَعْضٍ مَرْهُونٍ، وَإِلَى بَعْضٍ مُدَبَّرٍ، وَإِلَى بَعْضٍ مُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ‏.‏ رَابِعُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ‏:‏ أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبُهُ أَوَّلًا لِيَعْتِقَ ثُمَّ يَسْرِيَ الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ أُعْتِقَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لَغَا، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ، فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَرَى إلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ‏؟‏ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَعْتِقُ جَمِيعُهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ إلَّا فِي تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ اشْتَرَاهَا ابْنُهَا الْحُرُّ وَزَوْجُهَا مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى سَيِّدُهَا بِهَا لَهُمَا وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ مَعًا فَتُعْتَقُ الْأَمَةُ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَمْلُ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَلَا يُقَوَّمُ‏.‏